يبرز البُعد العسكري كأحد أهم أعمدة مسيرة الدولة الأردنية الصلبة منذ تأسيسها مطلع القرن العشرين، فالدفاع عن الدولة لم يكن خياراً ثانوياً في إقليم متقلب، بل ضرورة وجودية فرضت نفسها منذ اللحظة الأولى، ومن رحم هذه الحاجة ولدت فكرة خدمة العلم بوصفها إطاراً وطنياً يجمع الشباب الأردني تحت راية واحدة، ويزوّدهم بالانضباط والمعرفة العسكرية، ويُهيّئهم لتحمّل المسؤولية تجاه وطنهم.
علما بأن قانون الخدمة الوطنية الاجبارية رقم (2) لسنة 1968 كان معمول به قبل صدور القانون المؤقت لخدمة العلم والخدمة الاحتياطية في عام 1976، لتبدأ مرحلة جديدة تفرض الخدمة على فئة محددة من الشباب وتتيح في الوقت ذاته تنظيم قوى الاحتياط، ومع مرور عقد من الزمن، جاء قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية رقم (23) لسنة 1986 ليُرسّخ التشريع بصورة أوضح، محدداً السن القانونية، وضوابط التأجيل والإعفاء، ومهام الخدمة الاحتياطية، وقد شكّل هذا القانون المرجع الأساسي الذي ظل سارياً حتى مع تعليق التطبيق فيما بعد.
ومع مطلع التسعينيات تغيّرت الأولويات الداخلية والاقتصادية؛ فصدر قرار بتعليق العمل بخدمة العلم، ويُسجَّل أن آخر دفعات أُلحقت فعلياً حتى نهاية عام 1991، ومنذ ذلك التاريخ، ظل القانون قائماً من الناحية التشريعية، لكن دون تطبيق عملي واسع، ليترك فراغاً في العلاقة بين الأجيال الشابة ومؤسسة الخدمة الوطنية.
ولم تخلُ العقود اللاحقة من محاولات لإحياء الفكرة بصيغ جديدة، ففي عام 2008 تم تدريب دفعة واحدة رقم (53) خلال الفترة من 3 شباط ولغاية 22 أيار 2008 ولمدة 3 أشهر فقط وعددها (5000) مكلف في مركز تدريب خدمة العلم لإقليم الوسط (شويعر)، وفي عام 2020 وُقِّعت مذكرة تفاهم لإطلاق برنامج معدل يجمع بين التدريب العسكري والمهني، لكن ظروف جائحة كورونا حالت دون استمراره على نطاق واسع.
عادت الفكرة من جديد في صيف عام 2025 بعد إعلان سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم مطلع عام 2026، وبمتابعة مباشرة من سموه، ضمن رؤية وطنية تستهدف ليس فقط الإعداد العسكري، بل أيضاً ربط الخدمة بالتأهيل والاندماج في سوق العمل.
وقد أُدخلت تعديلات تنظيمية لتواكب العصر، شملت إصدار "وثيقة خدمة إلكترونية" بدلاً من الدفتر التقليدي، وتحديث الإجراءات بما يتماشى مع متطلبات الرقمنة الحديثة، لتصبح خدمة العلم في الأردن مشروعاً وطنياً متكاملاً يجمع بين الانتماء، والانضباط، وبناء القدرات الشبابية.
إن خدمة العلم في الأردن ليست مجرد تجربة عابرة، بل مرآة تعكس فكرة الأمن والتنمية، والانتماء والالتزام، ولتبقى عنواناً لإرادة الوطن في أن تُبقي شبابها على صلةٍ وثيقة بهويتهم الوطنية.